✍️محمد الرياني
نرد البئر ، نعلق الدلو على عرشها ثم نترك ماءها يبرد من الهواء الغربي، ندخل رأسينا في الماء نشرب حتى نرتوي، نطرد الكلاب من الطريقونحن نضحك على ركضنا وعلى الطفولة التي جاءت نحو البئر، ترسمُ أقدامنا آثارًا جميلة ونحن نتسابق لنجعل منها نقشًا يزين الأزقة، ننتظرالمطر لنرى أي قدم اكبر؟ وأي قدم صنع منها المطر لوحة أجمل؟ نقفز على الجدران معًا كي يرى أمهاتنا الأخفَّ والأكثر رشاقة ومن لايصيبهالشوك في قدمه الحافية أو تخترق شراك نعله، اختصمنا ذات يوم أمام عجوز جاءت لتسقي دابتها، كل واحد يريد أن يحوز منها على قُبلةوعلى الدعاء من فمها الطاهر ، ملأنا البركة بالماء، شربت عنزها حتى ارتوت، أسرعنا نحو رأسها لنقبله، أزاحت مظلتها الصفراء المصنوعة منالسعف، اصطف فمي مع فمه وهما يصدران صوتًا كبراءة الصغار، دعت لنا مرة ومرتين وثلاثًا بأن نكبر حتى نصبح مثل القوائم المنصوبةحول البئر طولا، شهقنا من الفرح، جاء يومٌ ماتت فيه الدابة ، هوى عرش البئر على مائها، لم تعد الأزقة تستقبل أقدامنا لنرسم الفرح، تغيرلون الأرض ولبست جلدًا آخر، اختصر العمر رحلة الطفولة، افترقنا شبابًا ولم نلتق بعد، عدنا نحو المكان بلا موعد، ملامحنا تغيرت، نبتالشعر بغزارة على وجهينا حتى لم يعد هناك ماضٍ أو بقايا أفواه ، اشترى كل واحد جزءًا من الأرض التي كنا نرد بئرها، اختلفنا على ذراتمن الرمل لاتتجاوز مسافةَ مقياسِ أقدام الطفولة، تأملَ كلُّ منا وجه الآخر وكأنه لايعرفه، همَّ كلُّ واحد أن يبطش بالآخر لولا أنه تذكر العجوزوالعنز الصغيرة وبركة الماء، أعدنا يدينا إلى مكانها، سألنا عن صاحبة الدابة الظمأى لنحتكم عندها ، قالوا :ماتت!! حفرنا بئرًا باسمها فيموضع النزاع.