بقلم عبدالرحمن عزير – صدى المواطن
تلقيتُ على بريدي هذا الصباحَ سلسلةَ مقالاتٍ من صحيفة التليقراف البريطانية شد انتباهي أحدُ هذه المقالاتِ ، وهو مقالُ ذهابِ ترامب عن الرئاسة لا يعني ذهاب الترامبية Unlikely to mean the end of Trumpism والحقيقةُ هذا أمرٌ غيرُ مستغربٍ ؛ لأنَّ وصولَ الرئيسِ/ ترمب إلى البيت الأبيض عام ٢٠١٦ ساورته الشكوكُ ، وأُشِيرَ -وقتها- إلى تدخلِ جواسيسَ روسٍ استطاعوا أن يغيروا من قناعاتِ الناخبين من خلال نشر أخبارٍ زائفةٍ تصبُّ في مصلحةِ ترامب ضد خصمه الديموقراطية/ هيلاري كلينتون ، الأمر الذي جعل مدير الفيسبوك يخضعُ للمساءلةِ من قِبَلِ مكتبِ التحقيقاتِ الفيدرالية . هذا الأمرُ يتكررُ الآنَ مع ترامب عندما رفض الخروجَ من البيتِ الأبيض حيث أطلقَ حُزَمًا من التغريداتِ والأخبارِ المزيفةِ ؛ أنه انتصر في الانتخابات ، وأنه -الآنَ- هو الرئيسُ المنتخبُ لكل الأمريكيين ، وأنَّ خصمه/ بايدن هو من يطلقُ الأخبارَ الزائفةَ . وهنا يحاول ترامب أَنْ يجعلَ الحقيقةَ هامشيةً ، والهوامشَ حقيقةً ، فهو يعترضُ ويرفضُ الاعترافَ بالنتائجِ ، ويطلقُ حملةَ الطعنِ القانونيِّ بنزاهةِ التصويتِ ، وكان واضحًا للجميعِ، باستثناء الرئيس/ ترامب أنَّ عَامِلَيْنِ اثنين بَدّلا النتائجَ بين الساعاتِ الأولىٰ ، والساعاتِ المتأخرةِ و هما:
أولاً: أن معظمَ الأصواتِ البريديةِ التي تخطّتِ الـتسعين (90) مليونَ صوتٍ صبّتْ لصالح بايدن.
وثانياً: أن ترمب تقدم باكرًا ؛ لأن النتائجَ الأولىٰ جاءتْ من الأريافِ والمدنِ الصغيرةِ (معاقل الجمهوريين) لكنَّ تقدمَهُ تلاشى مع بدءِ فرزِ أصواتِ المدنِ الكبرىٰ ، مثل : فيلادلفيا ، وبتسبيرج في بنسلفانيا ، وديترويت ، ولانسينغ ، وفلينت في ميشيغان، وميلووكي ، وماديسون في ويسكونسن، وأتلانتا ، وأوغستا ، وسافاناه في جورجيا. وفي الواقع ، ومع بروز الحقائق ، ووضوح البراهين التي يرفضها ترامب وحده ، ومع هذا يظلُّ ترامب شخصيةً مثيرةً ومؤثرةً في ذاتِ الوقتِ ، ولم يتأثر بشخصيته الأمريكيون فحسب ؛ حتى نحن كعربٍ تأثرنا بهذه الظاهرة الترمبية ؛ لأنها عكستِ النسقيةَ الثابتةَ في تصوراتنا الذهنيةِ ، وأحلتْ مكانه النقيض الذي كنا نخشاه ونحاربه ، فقد تجاوزناه -الآنَ- بفضل الظاهرة الترمبية ؛ حتى أصبح الأمرُ ضمنَ تركيبتنا الثقافيةِ ، ففي السابقِ كنا ندركُ أنَّ المغرور ، والذي بالغ في غروره مما جعله يشتمُ الناسَ ، ويتغطرسُ ويعاملُ الناسَ بكبرياءٍ تكونُ دَوْمًا نهايتُهُ مأساويةً حتى في الأفلام والمسلسلات اتصفتْ هذه الشخصياتُ المغرورةُ ، وصاحبَ الأمرَ بظاهرةِ السقوطِ المدوي في نهاية الفلم ، أو المسلسل ، ولَكِنْ مع بروزِ مسلسل الظاهرةِ الترمبيةِ تجاوزتْ هذا البرادايم في تصوراتنا الذهنية ، وصرنا نصفقُ لهذه الشخصية ، ونتمنى وندعو لها بالفوز والازدهار والبقاء ، بل تجاوز الوضعُ هذا الحدَّ ؛ حتى صرنا نطالعُ في مواقع التواصل من يؤدي العمرة على نية ترامب ، ومن يطلبُ الزواج من ابنتِهِ إيفانكا ، وهي -في الأصل- متزوجةٌ من كوشنر. إِنَّ حقيقةَ الظاهرةِ الترمبيةِ جديرةٌ بالاهتمامِ والبحثِ لمعرفةِ مكنوناتِهَا ، وأسرارِهَا ، ولا سيما كما ذكرتْ صحيفةُ التليقرافِ : أَنَّ الظاهرةَ الترمبيةَ ستبقىٰ مدةً طويلةً في المجتمعِ بكلِّ تناقضاتِهَا وتأثيرِهَا .